الجنس في الإسلام.. عالم مذهل (3)
أصدقائي الأحباء، توقفنا في المقال السابق على وعد باللقاء عند منتصف الآية 223 من سورة البقرة تقريباً هذه الآية التي فردت لها ما يقرب من عشرين صفحة في رسالة الدكتوراه التي قدمتها للجامعة التي حصلت منها على الدكتوراه في الطب الجنسي بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية من فرط إعزازي وفخري بديني الجميل المتقدم المتطور دائماً والذي كتب الله له من الإعجاز ما سيثير عجب الأمم المتتالية إلى يوم الدين.. فلنستأنف رحلتنا سوياً..

لقد انتهينا من الجزء القائل "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" أما الجزء المتبقي لنا فهو "وقدموا لأنفسكم واتقو الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين"..

ولنبدأ بفعل الأمر الثاني في هذه الآية والموجه أيضاً للرجال وهو "وقدموا" ولكن مهلاً فهناك حرف قبل هذا الفعل أيضاً وله دلالة عظيمة أيضاً أتدرون ما هو يا أصدقائي؟ إنه "و".. نعم.. إن حرف الواو هنا ليس مجرد ذلك الحرف الذي نستعمله في الجملة الواحدة أكثر من مرة أو في المحادثة الواحدة أكثر من عشرات أو ربما مئات، إنه هنا لفظ قرآني وكما نعلم أن ليس في القرآن زيادة ولا نقصان، فسبحان منزِّل القرآن أن يزيد أو ينقص منه القرآن ولو في حرف، إذن فوضع هذا الحرف هنا لابد وأن يكون مقصودا..ً نعم إنه بالفعل كذلك إنه حرف الواو يا أصدقائى في اللغة العربية وقواعدها هو حرف عطف يفيد المعية أي أن ما يأتي قبله لا بد أن يأتي مع ما بعده فمثلاً حين أقول "حضرت عبير وأمل" فلا بد أن الاثنتين قد حضرتا لأن حرف الواو جاء بين اسمهما..

إذن وجود هذا الحرف في هذا المكان من الآية تحديداً لا بد أن يثير انتباه القارئ المتدبر للقرآن أن ينتبه لما جاء قبله أي أنها دعوة للتوقف ومناظرة ما جاء قبله، قبل الالتفات إلى ما سيجيء بعده لأن كلا الحديثين لا بد -وأكرر لابد- أن يأتيا معاً.

فلنعرض سريعاً ما جاء قبل الواو: إن الله -سبحانه وتعالى- يوجه حديثه للرجال متحدثاً عن نسائهم ويذكرهم أن هؤلاء النساء هن لهم بحلال الله وهن موضع الإتيان بالولد أو الذرية التي تصبو كل نفس إليها وذكرهم بخصوصية هذا الأمر لهم وأمرهم أمراً مباشراً بالزواج المبكر وحثهم على العلاقة الجنسية بشكل واضح مع كفل حرية المكان والزمان والكيفية في أدائها مما يزيد من مقدار الاستمتاع والإشباع الجنسيين "راجع المقالين السابقين"..

أما وجود حرف "الواو" بعد كل هذا فهو بمثابة دعوة للتوقف والتنبيه وهو أيضاً بمثابة شرط أن ينتبه المتفكر في الإسلام إلى أن كل هذه الحريات قبل الحرف معلقة على ما سيأتي بعده بسبب شرط المعية الذي يتطلب وجــــود حرف الواو فماذا يكون هذا الشرط الذي علق الله -سبحانه وتعالى- عليه كل هذه الحقوق المكفولة للرجل والمرأة فيما يختص بالعلاقة الجنسية والتي أتت قبل "الواو"؟ هذا الأمر هو فعل الأمر الذي أتى بعد الواو وهو "قدموا لأنفسكم"..

وهنا أيضاً يجب تقسيم هذا المقطع إلى قسمين:

القسم الأول: "قدموا" والمقصود هنا مداعبة ما قبل الجماع والملاطفة التي تسبقه أي "الرسول" الذي أمر به سيد الخلق "صلى الله عليه وسلم" في حديثه الشهير: "لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول.. قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام" والمقصود هو الكلام المعسول والغزل اللطيف الذي عادة ما يبدأ به الزوج "وأقول عادة وليس دائماً" ربما لشدة حياء الزوجة ولذلك جاء هذا الأمر المباشر للرجال في سياق الحديث الموجه لهم في هذه الآية، هذا الأمر بالتقديم للعلاقة، إذن فما بال الكلمة "لأنفسكم" ؟!

إن هذه الكلمة أيضاً لها دلالتان:- الدلالة الأولى هي المعنى اللغوي المحتمل الأول وهو المعنى الذي يفيد ما سبق من التقديم قبل الإقدام على الفعل وهو يقال بالصيغة اللغوية "التقديم للنفس".

أما الدلالة الثانية: وهي دلالة معجزة في المعنى، والمحتوى العميق، لقد ثبت بالأبحاث العلمية فيما يتعلق برد الفعل النفسي في أثناء الدورة الجنسية أن المرحلة الثانية من الدورة الجنسية -وهي مرحلة الإثارة الجنسية- يرتفع فيها مقدار الإثارة بمقدار الاستعددات السابقة للعلاقة الفعلية أي التقديم للعلاقة حيث إنها مرحلة تحضيرية نفسية وعضوية، مما يتيح تجهيز الغدد الجنسية للأداء المثالي ولترطيب المجرى التناسلي عند الرجل والمرأة كليهما، فتكون العلاقة أكثر سلاسة وأكثر سهولة مما يحسن من النتائج ويزيد من الإشباع النفسي والحسي الناتجين عن العلاقة "راجع الدورة الجنسية".. أي أن الله قد وضع هذا الشرط وهو شرط التقديم لمصلحة كل من المرأة "ليتم تحضيرها نفسياً وعضوياً" والرجل أيضاً "حيث يعود هذا التقديم عليه بالنفع الشديد"..

وهنا أيضا يخاطب الله غريزة حب الذات لدى الرجل الذي يحب نفعه الشخصي أكثر من نفع الآخرين، وهي غريزة متأصلة في الجنس البشري وخاصة الرجال منهم فيكون ذلك لهم بمثابة طمأنينة واستزادة من المتعة وأعود فأقول: سبحان الخالق العظيم فاطر الرجل والأعلم بغرائزه واحتياجاته، وفاطر المرأة والأعلم بطباعها واحتياجاتها فالأيسر لنا إذن أن نطيع الأعلم بنا وبصالحنا وباحتياجاتنا ففي ذلك -قطعاً- صالحنا بل سعادتنا في الدنيا والآخرة.

وفي ذلك لم يكتف رب العالمين بالإشارة إلى ما فيه صالحنا ولكن أراد توكيد ذلك بإعادة تذكير الرجال من خلقه بأن عليهم تنفيذ ما جاء في هذه الآية من أوامر في قوله تعالى: "واتقو الله"، وهو أمر بالتقوى والتذكير بوجوبها في صورة السمع والطاعة، ثم هناك توكيد وتذكير آخران في المقطع التالي من الآية وهو قوله تعالى "واعلموا أنكم ملاقوه" والتذكير هنا هو بلقاء الله سبحانه وتعالى أمام عرشه، وبالتالي سؤاله لعباده عن الأوامر الواردة في مستهل الآية مما يتضمن أيضاً أن الحرية في اتباع هذه الأوامر أو عدمها غير مكفولة لأبناء آدم من الرجال ولكن عليهم الطاعة؛ حيث أمروا أيضاً بتقوى الله وذكروا بلقائه لحسابهم عن هذه الأوامر، وعن طاعتها من عدمها، وفي ذلك حفظ أكبر من السابق لحقوق الزوجة لدى زوجها، ويصل هذا الحفظ إلى أدق التفاصيل وحتى تلك التي تخص علاقتها الجنسية بزوجها فسبحانك يا الله، يا حنان، يا منان، ياعظيم العفو والعلم.

ثم تختتم الآية الكريمة الجميلة بل الرائعة بقوله تعالى "وبشر المؤمنين" يا للعظمة والجمال فها هي البشرى قد جاءت من رب العالمين لمن ينفذ ما جاء في هذا "الكتالوج" الجنسي الرباني وهي بشرى لم تحدد بكونها دنيوية أم أخروية مما يدل على أنها تخص الاثنتين معاً.. الدنيا على المستوى النفسي والجسدي، والآخرة على كون المنفذ مؤمناًَ وطائعاً فهل هناك ما هو أعظم من ذلك؟!

الآن ظهرت الرؤية.. اتبع الأوامر القرآنية بأن تحصن نفسك بالزواج تم تزوج واهتم بزوجتك وحافظ عليها.. انظر بعين الاعتبار إلى أداء العلاقة الجنسية بشكل منتظم دون انقطاع طويل للقيام بذلك على أكمل وجه.. اهتم بالمداعبات والملاطفات الخاصة بمرحلة ما قبل الجماع.. قم بالعلاقة الجنسية وتجنب المحرم منها.. ادع الله أن يأتيك منها بالذرية الحسنة الصالحة.. اعلم أنك مراقب في كل هذه الأحوال من قبل واضع هذه التعليمات "سبحانه وتعالى" فهو السميع البصير وهو اللطيف الخبير... وأبشر إذا قمت بذلك فإن لك من الدنيا سعادتها ومن الآخرة فرحها وبشراها.

أرأيتم يا أصدقائي؟! ألم أخبركم أنها رحلة ممتعة تلك التي غصنا فيها معاً داخل هذه المعانى الجميلة والتي لا يجب أن نتوقف عندها لمجرد اللحظات التي تستغرقها قراءتها ولكن علينا أن نتفكر فيها ونتذوق حلاوة معانيها..

وهنا تحضرني آيتان من آيات الذكر الحكيم أود أن أختم بهما هذه السلسة الممتعة من المقالات "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".. "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".